للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنها مجموعة أبنية ما تصل إلى الثلاثين، لكن فيها كل ما يُحتاج إليه: فندق صغير، ودكاكين فيها كل ما تطلبه من مثلها من طعام وشراب، ومتاع مما لا يُستغنى عنه هناك من المتاع، وفيها من التحف ما له بالبلدة صلة فهي تدلّ عليها وتكون ذكرى لك من زيارتك إياها، وفيها كنيسة فخمة ما دخلتُها ولكن ظاهرها يدلّ على حسن بنائها، تقوم عند أقدام الجبل وتكاد تصل من علوّها إلى صدره. وفوق الجبل بناء ضخم لست أدري ما هو، ركبنا المصعد فصعد بنا إليه فرأينا الوادي كله، أي أننا رأينا بعضاً منه، وهو وادٍ طويل يمتدّ ما امتدّ نهر الموز ويكاد يصل إلى آخر القسم البلجيكي من الآردن.

والآرْدِنْ منطقة واسعة أكثرها مع بلجيكا وأقلها مع فرنسا، لمّا نظرت من أعلى أحسست كأني أنظر إلى وادي الربوة في دمشق من عند قبة السَّيّار فأرى جزع الوادي ومنعطفه. وما كنت أراه وأنا على الأرض محجوباً عني انكشف الآن لي، فكأنه المستقبل الذي لا يصل بصرك إليه ولا يحيط علمك به، تراه من فوق فكأن الماضي والحاضر والمستقبل قد اجتمعت لك، فعلمتُ أن ذلك كله نِسبيّ؛ كمن يأخذ جرائد الأسبوع الماضي ليقرأها دفعة واحدة، فما كان حاضراً لقارئها في يومها صار الآن ماضياً عند من يراها كلها، وما كان من حديث الغد في العدد التالي صار عنده الآن من خبر الحاضر.

هل ترونني تفلسفت وأغربت وجئت بشيء لا يُفهَم، كما يفعل أدعياء الشعر الجديد أو شعر الحداثة، أي شعر الحدَث الذي يستوجب الوضوء إن كان صغيراً والغُسْل إن كان حَدَثاً أكبر!

<<  <  ج: ص:  >  >>