وأبنية أثرية تعلو بعضَ جباله، ولكن وادينا على ذلك كله أحبّ إليّ، ولو عرضوا عليّ المبادلة لَما بدّلت به. هل تُعطي ابنك لغيرك وتأخذ ابنَ غيرك ولو كان أكمل الشباب وأجملهم؟ لقد خطرَت هذه الحماقة يوماً على أذهان قريش حين عرضوا على أبي طالب أن يُعطيهم محمداً عليه الصلاة والسلام ويدفعوا إليه من شاء من فتيانهم، فضحك منهم وقال لهم: أعطيكم ابني لتقتلوه وآخذ ابنكم لأربيه لكم؟ ولا يزال التاريخ يضحك من هذه الجَهالة إلى الآن.
إن الجمال شيء عجيب، إنه من أسرار خلق الله، إن وجوه الناس تتشابه جميعاً في وضع عيونها وحواجبها وأفواهها وآنافها، وما ثَمّ وجه يطابق تماماً وجهاً آخر. والجمال أمر يُدرَك ولا يُعرَف ويُحَسّ ولكن لا يُقاس.
وكذلك القول في مناظر الطبيعة. كنت بالأمس في ترفورين، وهي منا على مرمى حجر، فرأيت جمال الخضرة والظلّ والبِرَك الصافية والنسيم العليل، فقلت: لقد ضمّ هذا المكان الجمال كله! فلما نزلت هذا الوادي رأيته أجمل. وأنا أُقِرّ مرغَماً (وإن كان هذا الإقرار صعباً على نفسي) أن وادي الربوة (الشاذروان) الذي طالما ملأتُ الأسماعَ وسوّدتُ الصحفَ بوصف جماله لا يكاد يباري وادي الموز هذا ولا يقف أمامه، ولا يواجهه بعينه ولا يستطيع أن ينظر إليه.
* * *
نزلنا من القطار في دينان. وهي في وادٍ يمرّ النهرُ، نهر الموز، فيه ويقوم الجبل على جانبَيه. وما تبلغ أن تُعَدّ قرية؛