للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدى التاريخ، حتى جاءت الزيادة السعودية ففضلتها كلها وزادت أضعافاً عليها، وآخرها فرش السطح وإعداده للصلاة وإقامة سلّم يصعد هو بالناس بدلاً من أن يصعد الناس عليه. فلو أنهم صنعوا مثل ذلك بمكة المكرمة وجدّة ووضعوه في صورة مجسَّمة ليطّلع عليها مَن لم يعرف كيف كانت هذه البلاد قبل خمسين سنة (كما عرفتها أنا) وكيف صارت الآن.

* * *

وجدت في بروكسل عجباً؛ عادت بي الأيام إلى ما خلّفت ورائي من حياتي فرأيت فيها ما كان في دمشق وفقدناه من أكثر من ربع قرن، رأيت فيها الترام.

والترام قديم في دمشق، جاء به وبالكهرباء أحدُ الولاة المصلحين من ولاة العثمانيين وأظنه ناظم باشا. عمره (أي الترام) من عمري، كان هدفَ كل مظاهرة وطنية، فكان أول ما تقصد إليه عربات الترام تحرقها، لا بغضاً بالحضارة التي تمثّلها ولا لنستبدل بها ركوب الدوابّ وعربات الخيل، بل لأن شركة الكهرباء التي تسيّره بلجيكية. وطالما قاطعناه الأيام والشهور وأعرضنا عنه، رفضاً للاستعمار ولأن بلجيكا التي تملكه هي الأخت الصغرى لفرنسا التي عدَت على بلادنا وحكمتنا بغير إرادة منا وانتدبتنا لتمدّننا، فكان انتدابها قتلاً لرجالنا وتدميراً لمدننا، تدمير المنازل مرتين بالمدافع من القلاع التي نصبوها على جبالنا موجّهة إلينا لا إلى عدوّ بلدنا، وحرقاً للحارات وللأحياء، حتى إن أجمل أحياء دمشق بقيت خرائب أكثر من ربع قرن، ولا يزال اسمها على ألسنة

<<  <  ج: ص:  >  >>