للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدينة إلاّ جانباً منها، فلو ذهبتُ أصفها لم يكن وصفي لها إلاّ كوصف الليمونة التي اعتصرتها وأخذت ماءها، كالوردة التي جفّت ففقدت حياتها وأضاعت عطرها؛ إن وصفي لا يزيد على وصف يوليوس قيصر لمّا عاد من حروبه في بلاد الغال (فرنسا) فسألوه في مجلس الشيوخ أن يحدّثهم عما كان، فقال لهم: ذهبنا، فحاربنا، فانتصرنا، فرجعنا.

والعرب تقول: البلاغة الإيجاز. ولكن من الإيجاز ما يمسخ المعنى فلا يبقى منه إلاّ كقشرة الليمونة التي فقدت رحيقها والوردة التي أضاعت عطرها، ومن البلاغة ما يسمو إلى أعلى الدرجات ويبلغ حد الإعجاز.

* * *

ورجعنا إلى أمستردام فجُلنا فيها، ومررنا بكثير من المدن لم نقف إلاّ قليلاً عند لاهاي، وكنا قريبين من مسابحها، فما نزلنا من السيارة ولكن رأينا منها بعض ما فيها، والذي رأيناه لا يزيد عمّا كنا نراه في بيروت، بل ربما كان الذي في بيروت أشدّ نكراً. وقالوا لنا إن هاهنا (وأشاروا إلى جزء من السِّيف، أي الشاطئ) مسبحاً للعراة ينزلون فيه كما أنزلَتهم القابلات من بطون أمهاتهم، الرجال والنساء سواء. فما عجبت من ذلك، لأنها لو أُنشئت مسابح للخيل والبغال والحمير لما نزلت إلاّ هكذا. هل رأيتم أتاناً (حمارة) تريد أن تخوض النهر فلبست تُبّاناً (هو المايوه) أو ارتدت ثياباً؟

على أن بعض الثياب أشدّ إغراء من نبذها كلها. ولقد قرأت مرة نكتة في مجلة مصرية عن طالبَين في مدرسة الفنون الجميلة

<<  <  ج: ص:  >  >>