ولاهو مما اشتغلت به من أصناف المعارف والعلوم، فلا أدّعي القدرة على الجواب الكافي. ولكني أمضيت حياتي كلها في المطالعة؛ هي متعتي وتسليتي وهي شغلي أيام فراغي وعطلتي، من صغري إلى اليوم، وكنت لا أنسى شيئاً قرأته، ولا أزال ولله وحده الحمد أذكر إلى الآن أكثر ما أقرأ، فمما علق بذهني مما قرأت قديماً ما يصلح جواباً على هذا السؤال.
ذلك أن علماءنا، حتى علماء الشريعة المتوسعين في المعارف كابن القيم، أخذوا نظرية عن اليونان اقتنعوا بصحتها وأفاضوا في شرحها، وهي أن في الوجود أشياء بسيطة وأشياء مركَّبة. وكلمة «بسيطة» في أصل اللغة معناها المبسوطة، أي الواسعة، ومن هنا سُمّيت كتب كثيرة باسم «البسيط» أو «المبسوط»، ولكنني أستعملها الآن بالمعنى الشائع عند الناس. وهذه الأشياء البسيطة، أي المؤلَّفة من عنصر واحد، هي عندهم الماء والهواء والتراب والنار. وأن الحرارة تأتي من النار، والبرودة من التراب، والرطوبة من الماء، واليبوسة أو الجفاف من الهواء. وأن في البدن أربعة عناصر (أو «أخلاط» كما كانوا يسمّونها) تقابلها، هي الدم والمرّة السوداء والبلغم والمرّة الصفراء. والغذاء (ومثله الدواء) يغلب على كل نوع منه واحدٌ من هذه العناصر أو اثنان، وكمالُ الصحّة في أن تتوازن الأخلاط الأربعة في الجسم وأن يأتي الغذاء موافقاً لها، لذلك تجدهم يقولون عن الشيء إنه حار رطب، أو بارد يابس.
فلما كانت النهضة في أوربا واتسعت دائرة المعارف وتمحّص كثير من الحقائق وتقدّم علم التشريح وعلم الكيمياء تبيّن