للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لذلك كانوا يبعثون مع أمير الحُجّاج ما كان يُدعى «الصُّرّة»، وهي مبلغ كبير من المال يوزّعه على من يمرّ عليه موكب الحج من الأعراب، وما كان يسلم دائماً منهم، ويبعثون مع الصرة بطائفة من الجند وعدد من المدافع. وكانوا يُقيمون بِرَكاً للماء عندها قلاع ثابتة على الطريق، رأيت في رحلتي الأولى بعضها ووصفتها وقرأتموها، وكانت تحمي كلَّ واحدة منها أسرةٌ من أسر حيّ الميدان بالشام معروفة ببأسها مشهورة بأمانتها وإخلاصها، ولو رجعتم إلى ما نشرتُ من قبل في هذه الذكريات لوجدتم تفصيل هذا الإجمال (١).

فكانت رحلة الحج تمتد أكثر من ثلاثة أشهر محفوفة بالأخطار، كلها متاعب ومصائب، فكأنها البحر الذي وصفوه قديماً بأن الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود.

تلك الرحلة التي كانت تمتد ثلاثة أشهر يستطيع الحاجّ اليوم أن يؤدّيها (أي أن يؤدّي حجه) في أربعة أيام: يخرج من دمشق بالطيّارة من بعد صلاة العشاء ليلة العيد فيصل جدة بعد ساعتين، ويكون مُحرماً فيمضي رأساً إلى عرفات فيقف فيها ولو دقائق، فيكون قد أدّى الفرض والواجب، ثم يتوجه منها إلى مزدلفة فيقف فيها دقائق بعد نصف الليل، ثم يخرج منها فيصلّي صلاة الصبح في الحرم مع الجماعة، ويطوف طواف الإفاضة ويسعى بعده، ثم يحلق أو يقصّر، فيتحلل ولا يبقى عليه من أعمال الحجّ إلاّ رمي


(١) أخبار الرحلة ممتدة من الحلقة السبعين إلى الحلقة الثانية والثمانين، وهي في الجزء الثالث (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>