للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لايقلّ في سعته وحسنه وترتيبه والصُّوى (أي الإشارات) فيه وتعدُّد المسارب في جانبه، لا يقلّ في ذلك كله عن أرقى الطرق الدولية في أرقى دول أوربا الغربية، وإن كان يضيق بعد المدينة المنورة، ويستمرّ معبَّداً مزفَّتاً حتى يبلغ دمشق.

هذا الطريق بين مكة المكرَّمة ودمشق الذي تمشي فيه السيارات مستريحة كان لي شرف المشاركة في كشفه، يوم لم يكن طريق ولا أثارة من طريق وكانت الأرض كلها بيداء خالية كما برأها بارئها، وكانت سياراتنا أولَ السيارات التي وطئَت بدواليبها ثَراها، وكان ذلك سنة ١٣٥٣هـ. وقد مرّ بكم الخبر مفصَّلاً في هذه الذكريات، وعلمتم مما مرّ بكم أن هذه المسافة التي يقطعها الراكب اليوم قاعداً في السيارة الفخمة على المقعد المريح ومن حوله الهواء المكيف، أمضينا نحن في قطعها ثمانية وخمسين يوماً ما كنا فيها مستريحين، بل قاسينا من المشقّات والأهوال ما لا يصمد له إلاّ صناديد الرجال.

كان ركب الحُجّاج الشاميّين قبل هذا الطريق يقطع هذه المسافة في أكثر من أربعين يوماً، في بادية مقفرة تتلظّى شمسها ويلتهب في الصيف حصاها وتتسعّر رمالها، ولا يأمن المسافر فيها على نفسه ولا على ماله لأنها عادت إلى مثل عهد الجاهلية الأولى، لا حكومةَ تجمعها وتُخضِعها ولا قوة تمنع الظلم والعدوان فيها. وكان في كل منطقة شيخ عشيرة يتسلط عليها، إن لم يسترضِه الحُجّاج بالمال أو يغلبوه بالقتال آذاهم أو نهبهم أو قطع الطريق عليهم أو قتلهم، أقول هذا لتعرفوا قيمة ما أنتم فيه من نعمة الأمان، ولتسألوا الله الرحمة لمن جعله سبيلاً لتوحيد البلاد وأمنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>