صغير جداً، وقد نسيت هل كان ذلك خلال الحرب الأولى أو كان قبلها، فأنا أكتب هذه الذكريات كلها من ذهني ما عندي شيء مكتوب أرجع إليه وأعتمد عليه.
وكان مشهد خروج المحمل أعظمَ المشاهد في دمشق، يليه مشهد «السّلامْلك» يوم العيد إذ يخرج الموكب من قصر المشير، أي «المشيرية» التي صارت من بعدُ دارَ المندوب السامي الفرنسي، ثم هُدمت وأُقيم مكانها القصر العدلي الذي يجمع اليوم المحاكم كلها وفيه وزارة العدل.
وكانا محملين لا محملاً واحداً، المحمل الشامي والمحمل المصري. فإذا وصل المحمل الشامي إلى مزيريب (وهي أدنى قرى حوران) توجّه منها إلى عمّان. وأنا أعرف عمان قبل ثلاث وخمسين سنة، لمّا مررنا بها وهي قرية صغيرة أكثر سكانها من الشركس وأقلهم من الشاميين، ولم يكن أُقيمَ إلاّ بيوتٌ معدودة على جبل عمّان.
ثم يتوجهون منها إلى معان، ويأتي المصريون بقافلة مثلها أو أعظم منها من طريق العقبة، فيلتقي المحملان غالباً في معان، ثم يمشيان معاً إلى تبوك فإلى المدائن، مدائن صالح قرب العُلا، فالمدينة المنورة فمكة المكرمة.
والمحمل الشامي محفوظ في متحف دمشق اليوم ليراه من لم يكن قد عرفه. وآخر ما عُرف من خبر المحمل واقعة مشهورة يعرفها الكهول والكبار من رجال المملكة، واقعة لولا شجاعة الملك عبد العزيز التي جاوزت الأمثال المضروبة للشجاعة