للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا ما وصلتمْ سالمينَ فبلّغوا ... تحيتَنا مَن ظنّ ألاّ يرى نَجدا

وقولوا لهُمْ ليسَ الضّلالُ أجازَنا ... ولكنّنا جُزْنا لنَلْقاكُمُ عَمْدا

ومن أراد أن يقرأ أمثال هذا الشعر الذي يحنّ قائلوه إلى نجد رآه في رسالة لي صغيرة طُبعت في الرياض عنوانها «حلم في نجد» (١).

كانت بُصرى قصبة حوران، فلما مرّ الخط الحديدي بدَرْعا أُقيمت المحطة فيها بعيداً عن البلد، فجعلت المحطة تكبر والبلدة يقف نموها فتصغر، حتى صارت المحطة هي المدينة ورجعت المدينةُ الأصلية قريةً تابعة لها.

وكذلك الدنيا أقدار وقِسَم قسمها بارئها، فصغير يكبر وكبير يصغر قدره، ونازل يعلو وعالٍ يهبط إلى الحضيض. مرّ الخط قريباً من درعا ولم يدخل إليها فدخلَت البلد كلها في المحطة، وشُيّدت من حولها العمارات وفُتحت الحوانيت. ولو بقي الخط يسير ولم تمتدّ إليه إصبع شياطين الإنس يُغرون أهلَه بقتله لنشأت خلال هذه السنين التي قاربت الآن السبعين مدنٌ كبار في معان والمدوَّرة والعُلا، ومدن صغار في كل قرية يمرّ بها القطار، ولكان هو الطريق المسلوك، لأن السيارات مهما كثرت لا تستطيع أن تسدّ مسد القطار، ولكان الحُجّاج السوريون والأردنيون وحجاج لبنان والعراق وحجاج الترك والعجم الذين يؤثرون أن يمرّوا بدمشق، لكان سفرهم كلهم في هذا القطار، ولكان شريانَ حياة يحمل دمَ


(١) وهي في كتاب «صور وخواطر» (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>