للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصحّة لكل مكان يمر به يأتيه بالخير والمال.

ودرعا معروفة من القديم ولكن باسم «أذْرِعات»، ولها في التاريخ ذكر وقيل فيها كثير من الشعر، منه قول امرئ القيس الذي لا أحب أن أروي منه إلاّ بيتاً واحداً هو:

تَنَوَّرْتُها مِن أذْرِعاتٍ وأهلُها ... بِيثربَ، أدنى دارَها نظرٌ عالِ

وامرؤ القيس قمة القمم في الشعر العربي، ما قيّض الله له إلى الآن من يدرس شعره كما ينبغي أن يُدرَس. لا لأنه أول من بكى واستبكى ووقف واستوقف، بل لأنه وضع الأساس لكل فنّ من فنون الشعر؛ فالغزَل مثلاً منه ما هو عاطفي نظيف كشعر قيس وقيس الآخر وجميل وكُثيّر ونصيب وشعراء الغزل بالمدينة، ومنه ما هو قصصي يحكي وقائع المحبين وأخبار الهجر واللقاء كشعر عمربن أبن ربيعة وتلميذه العرجي، ومنه ما هو شعر فاحش (كالأفلام التي قالوا إنها تكشف أدقّ ما يستره الأزواج في مخدع الزوجية) كبعض شعر بشار وبعض شعراء اليتيمة، يتيمة الدهر للثعالبي، وبعض ما قال (وليته ما قال) أحد شعراء هذا العصر! وكل ذلك في معلقة امرئ القيس.

والمقاييس تختلف، فامرؤ القيس بالمقياس الأدبي كبير الشعراء وأستاذهم، ثم إنه رحّالة زار الشام وبلغ القسطنطينية وتنقّل في أرجاء جزيرة العرب، ولكن النقاد لم يوفوه حقه، وقد ذكروه أخيراً فجعلوا من سيرته مسلسلة عرضوها في الرائي في رمضان، فأساءت للتاريخ وللأدب وللفنّ.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>