وجعلت حيوانات الحديقة تمرّ بنا، فمنها ما يُلقي نظرة علينا ثم يمضي غيرَ حافل بنا، ومنها ما يقف علينا قليلاً كأنه يَعجب منا أو يرى فينا مخلوقاً غريباً. وجاء أسد فدنا منا حتى لامس برأسه زجاجَ سيارتنا، واستطعت -من قربه- أن أعدّ شعرات شاربَيه وأتأمل وجهه وعينيه الصغيرتين، فوجدت فيهما رقّة لا أجدها في بعض بني آدم! ووجدته كالقط الكبير. ونحن نحبّ القطط ونألفها، وعندنا قطط فارسية جميلة نُعنى بها ونضعها في أحضاننا، ولكننا لا نحبّ الكلاب والذين يربّونها ويعانقونها ويتركونها تلحس وجوههم وأبدانهم بألسنتها وينامون إلى جنبها ويأكلون معها! والإسلام يكره ذلك إلاّ لمقصد مشروع، كحراسة الحقل وحماية القطيع وتتبُّع اللصوص والمجرمين. أمّا نجاسة الكلب ففيها خلاف، فهو عند الشافعي نجس كله شعره وريقه، وعند مالك طاهر كله شعره وريقه، وعند أبي حنيفة ريقه نجس وشعره طاهر، وقد رجّح ابن تيمية ما ذهب إليه أبو حنيفة.
عفواً، لقد غلبَت عليّ صنعتي في أيامي الأخيرة وهي الفتوى.
ووقف الأسد ملياً، فلما رآنا لا نستحقّ الاهتمام لوى وجهه وانصرف عنا غير مودّع لنا ولا آسف كما يظهر على فراقنا. وأحسبه كان يظننا من أقربائه وأنسبائه: أسوداً نحمي غابَنا ونردّ عنه الواغل علينا، فلذلك أقبل علينا، فلمّا علم (وما أدري كيف علم) أننا قد أذهبنا ريحنَا وأضعنا عزّتنا بانقسامنا وانحرافنا عن طريق أسلافنا، زهد فينا وأعرض عنا. وكيف يحسبنا أسوداً وقد غلبتنا على أرضنا في فلسطين الكلابُ؟!