للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يثغو يقول: باغ، ويمدّها، نتصوره نداء مستغيث يستجير بنا، ينادينا، فنشعر بقلوبنا تتمزق حسرة وتفيض من عيوننا الدموع أنْ لا نجد ما نردّ به عن عنقه سكين الجزار!

* * *

أمضينا في هذه الحديقة مع الحيوانات الطليقة ساعات طوالاً، وكنت أراها أول مرة، ما عرفت من قبل إلاّ أسوداً محبوسة في الأقفاص أو محسورة وسط الأسوار، فقلت: أجعل حديثي في هذه الحلقة عن الحيوانات أصحبها فيها، ولعلّ صحبتها أسلم من صحبة كثير من الناس، فهي لا تكذب ولا تغتاب ولا تنمّ، ولا تخون أوطانها ولا تجحد أديانها، ولا تبخس إخوتها مزاياها ولا تدّعي لنفسها من المزايا ما ليس لها.

وإذا عض الذئب أو لدغ الثعبان أو افترس الأسد فإنما يفعل ذلك دفاعاً عن نفسه وحفاظاً على حياته، ثم إنه لا يقتل إلاّ فرداً واحداً ولا يستعمل إلاّ نابه وظفره أو قطرة من السم أعدّها الله سلاحاً له، وبعض بني الإنسان يتخذ أنياباً من الحديد والفولاذ ومخالب من البارود والنار، وألواناً وأشكالاً من السموم، ويأتي عدوّه من الأرض ومن السماء ومن جوف البحر ومن فوق السحاب، ويُبيد بضربة واحدة آلافاً وعشرات الآلاف من إخوانه وأخواته، لا يحارب إلاّ قليلاً دفاعاً عن النفس وحفاظاً على الحياة، بل يحارب غالباً لأنه لا يستطيع إلاّ أن يحارب. وأغرب من ذلك أنه جعل القتل بالجملة فناً من الفنون وعلماً من العلوم ووضع له القواعد وفتح له المدارس. فأيهما -سألتكم

<<  <  ج: ص:  >  >>