للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالألفاظ». ولعلّه يقصد أن المشاعر الإنسانية متشابهة، فما يموت لأحد حبيبٌ إلاّ حزن ولا تأتيه بشارة أو عطيّة إلاّ فرح، ولكن تتفاوت أقدار الناس في التعبير عن هذا الحزن وهذا الفرح.

* * *

وصُحبتي الحيوانات قديمة، إذ كان من أوائل ما وقعَت عليه يدي في مكتبة أبي كتاب «حياة الحيوان الكبرى» للدَّميري. وهو كتاب عجيب؛ فيه فقه، بل إنه يُعَدّ أقرب مرجع في معرفة ما يؤكَل وما لا يؤكل من الحيوان، وكتاب لغة، فهو يضبط الأسماء، وكتاب أدب، فهو يسرد الأخبار، وكتاب طبيعة، فهو يشير إلى بعض خصائص الحيوانات، وكتاب تاريخ، فهو يلخّص فيه مراحل طويلة من تاريخنا، وهو على ذلك كله مملوء بالخرافات والأوهام والأباطيل وما يدخل العقل وما لا يدخله وما يُفسِده ويعطّله. ثم لمّا كبرت قرأت كتاب «الحيوان» للجاحظ فوجدت فيه تلك الألوان كلها، ولكن الذي فيه أعلى وأغلى، وحسبك أنه من تصنيف الجاحظ.

وكان من أوجع ذكريات الصغر أننا كنا نشتري، أو يشتري أهلنا، كبش العيد، فيبقى عندنا حيناً نُطعِمه نحن الصغار ونُعنى به حتى يألفنا ونألفه، نغسله وننظفه ونمرّ بأكفّنا على صوفه، أو نعانقه أو نكلّمه، نهمس في أذنَيه بما لا يدركه ولا يفهمه من مناغاة الأحبّة ومناجاة أهل الغرام. فإذا جاء يوم العيد وأخذوه لِما اشتروه له، وهو الذبح، أحسسنا ونحن صغار بما يحسّ بمثله من يُقتل حبيبه أمام عينيه فلا يملك له نصراً. وكنا نتصور صوته وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>