(سنة١٩٥٤) خمسة ملايين ونصف المليون من الناس، أي بمقدار ما كان يسكن يومئذ سوريا ولبنان والأردن معاً. ومن عجائبها أن الناس فيها يجرّون العربات الصغيرة (الركشات) بدل الحمير والبقر، والبقر تمشي في الطريق تختال عجباً لأنها مقدَّسة معبودة! وليس أمر بقرة أو اثنتين أو عشر أو عشرين، بل إنك تلقى كل خمسين متراً بقرة، تمشي كما تريد، تأكل فاكهة البياعين وزهور الحدائق فلا يطردونها بل يتبرّكون بها، وتقطع الشارع الهائل الذي تمرّ فيه كل دقيقة عشر سيارات فتقف السيارات كلها وتنقطع الحركة حتى تجوز البقرة، كأنها حمارة أبي سَيّارة عند العرب قديماً أيام الحج حين كانوا يقولون:
وربما خطر للبقرة أن تُطيل الوقوف في وسط الشارع، فتميل السيارات عن المكان الذي وقفت فيه وتذهب من طريق آخر! ولقد مررتُ مرة بالسينما الفخمة التي أقامتها في كلكتا شركة مترو الأمريكية، وهي تُزري من فخامتها بالقصور، فرأيت بقرة قد قعدت على الرخام الذي يلمع كالمرايا تحت شبّاك التذاكر، ثم تبرّزَت ونامت، فتركوا الشبّاك وفتحوا شبّاكاً آخر احتياطياً ولم يُزعِجها أحد!
ولقد دعتني محطة دهلي العظيمة لأذيع منها أحاديث عن مشاهداتي في الهند، كان منها حديث عن بقرة مشيت قريباً منها لأرى ما تصنع، وسجّلتُ حركاتها وسكناتها ولخّصت فلسفتها في الحياة. أتعجبون أن يكون للبقر فلسفة؟ إن كثيراً من الفلاسفة