للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فريداً، لا تستطيع إنكلترا أن تجيء معك ولا أميركا، فيسألك عن هذه الدماء الزكية: فيمَ أرقتها؟ وعن هذه الأرواح الطاهرة: فيمَ أزهقتها؟ وعن هاتيك النساء القانتات الصابرات: فيم رمّلتهن؟ وعن أولئك الأطفال البُرَءاء: فيمَ يتّمتهم؟ وعن هذه الجماعة الداعية إلى الله المجاهدة في سبيله: فيمَ شمّت بها أعداء الله ورسولِه؟

فإن كان عندك دفاع فأعدّه من الآن لتُدلي به أمام محكمة الجبّار، التي لا تحكم بالموت شنقاً بل بالحياة الدائمة التي يصغر الشنق ألف مرة عن عذاب لحظة واحدة منها، يوم لا ينفع مال ولا بنون، ولا حزب ولا أعوان، ولا سيف ولا مدفع؛ يوم تتبدّل الموازين وتتغيّر المقاييس، ويكون الفضل للفاضل والصدر للصالح، فيذلّ أعزّة ويعزّ أذلاء، وينزل عالون وتعلو سوقة، يوم ينادي المنادي: لمن المُلك اليوم؟ للطغاة؟ للقادة؟ «للبكباشية» (١)؟ لسادة بيكنغهام والبيت الأبيض؟ كلاّ لا جرم؛ بل لله الواحد القهار.

فعِش مهما عشت وسُد مهما سُدت، فهل تقدر أن تجد لك طريقاً لا يمرّ بك على المحشر ولا يقف بك موقف الحساب؟ هل تعرف لك مُلكاً غير مُلك الله تفرّ إليه كما يفرّ المجرم السياسي من دولة أساء إلى حاكمها إلى دولة أخرى تحميه منها؟ وهل تظنها تدوم لك ياجمال عبد الناصر؟ لو دامت لغيرك ما وصلت إليك.


(١) بالتركية معناها ألف، والكاف تُلفظ نوناً فتُلفظ «بينْباشي»، ومعناها الحرفي «مُقدَّم الألف» (ويوزباشي مقدَّم المئة)، وأظنها تقابل رتبة الرائد الآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>