للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلاوالله ما آلمني شيء كما آلمني ما صنع عبد الناصر وأعوانه بهذه النخبة الصالحة من المسلمين. لأن تلك أخبار نسمع بها فربما هوّنها علينا بُعدُ العهد وأنها ربما كانت فيها مبالغة راوٍ أو غلوّ ناقل، وهذه رأيناها رأي العين. ولأن أولئك كفرة فجرة وهؤلاء يزعمون أنهم مؤمنون، ولأن أولئك فعلوها كسباً لدنيا يريدونها وهؤلاء فعلوها ليكسب الإنكليز الدنيا بها، فلزمهم قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: «أخْسَرُ الناسِ مَن باعَ دينَه بدنيا غيره».

ولو كان في هؤلاء الشهداء قاتل أو مجرم وحاكموه محاكمة ثم عاقبوه قصاصاً لَما اعترضهم أحد، أما أن يكونوا من خيار المؤمنين، وأن يكون ذنبهم أنهم أعدّوا السلاح للعدوّ بعلم رجال الحكومة، وأنهم دُرّبوا على القتال والتدريب بعلم رجال الحكومة، وأنهم أعلنوا رأيهم في المعاهدة وحقّ الرأي واحد من حقوق الإنسان، وأن تحاكمهم هذه المحكمة وليست محكمة فيها قضاة، وأن تكون المحاكمة بهذا الأسلوب وما هو بأسلوب المحاكمات، وأن يكون الحكم على هذه الصورة وما على مثلها تصدر الأحكام، فهذه قصة فظيعة، فظيعة، فظيعة. بلغ من فظاعتها أنْ أجمع الناس على اختلاف البلدان والألسن والألوان والمذاهب والأديان على استنكارها.

ولست أدري بأيّ لسان يتكلم هؤلاء بعد اليوم عن فاروق وعهد فاروق، والذي فعله فاروق من المعاصي يُعَدّ بجنب ما عملوه هم طاعة، ونجس فاروق بالنسبة إليهم طهارة، ونار فاروق جنّة عبدالناصر! وما أمدح فاروقاً ولكن العَوَر يُمدَح إن ذُكر العمى.

<<  <  ج: ص:  >  >>