للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن كان معنى «أنا» جسدي فقد ذهب وجاء غيره، وإن كان عواطفي وآرائي فقد تبدّل كثير منها، لذلك أتحدّث عن أيامي في المحكمة كما أتكلم عن حلم رأيته في منام ثم استيقظت فامّحَت الأحلام. وما الحياة إلاّ منام، وفي الأثر: «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا».

عجب قوم لماذا دُعيتُ أنا (كما قلت في الحلقة الماضية) للكلام في حفلة جول جمّال باسم المسلمين على حين يتكلم البطريرك باسم النصارى. إنه عندهم الرئيس الروحي، فهل كنت كذلك؟ نعم، هذا الذي كان. وليس في الإسلام أكلروس ولا رؤساء روحيون، ولكن الفرنسيين -إمعاناً في التفرقة وليجعلوا المسلمين كأنهم طائفة من الطوائف- أقاموا للمسلمين رئيساً كما للنصارى رئيس، وجعلوه قاضي دمشق الممتاز ونائبه، أو الرئيس الثاني بعده، هو مفتي الجمهورية.

وكان القاضي الممتاز الشيخ عزيز الخاني رحمه الله قائماً بهذا المنصب أحسن القيام وكان أهلاً له كل الأهلية، فهو في جمال طلعته وكمال خلقته وشدة هيبته وقدرته على مخالطة الكبار والصغار في تواضع لا يمسّه كِبر وعزّة لا يلامسها صَغار كان في هذا مفرَداً في بابه، كان ليّناً ولكن لينه لا يمنعه إن اقتضت الحال أن يكون أثبت في الحقّ من الجبال، فجاء من بعده أخونا وزميلنا الأستاذ الشيخ صبحي الصباغ ثم جئت أنا، وما له ولا لي مثل تلك الهيئة ولا تلك الهيبة ولا البسطة في الجسم، فعجزت وعجز عن القيام ببعض ما كان يقوم به الشيخ عزيز رحمه الله، فكتبت كتاباً رسمياً حلّ بعده المفتي محلّ القاضي، وهذا نص الكتاب أثبته هنا للتاريخ:

<<  <  ج: ص:  >  >>