للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعضاء المحكمة (الذين يُسمَّون اليوم بالمستشارين) ليستمعوا مني، منهم العالِم الأديب النبيل الشيخ مسعود الكواكبي الحلبي، الذي أحفظ له في نفسي أوفى حظ من الحب المقرون بالاحترام، ثم صار يزورنا في الدار حيث يجتمع فيها ناس من جلّة علماء البلد يومئذ هم أصحاب أبي وأصدقاؤه، لا يكادون يفترقون، وأنا أدخل عليهم بالشاي والفاكهة والطعام ثم أقعد في طرف المجلس حيث لا يتنبّه إليّ أحد، ولكني كنت كالمسجّلة التي تُثبِت على شريطها كلَّ صوت يخرج من حولها. وإذا مدّ الله في العمر وصبّ القوة في الذاكرة واستمررتُ في نشر هذه الذكريات ولم يملّ منها القراء فسأكتب ما بقي في ذهني منها، وإن لم يبقَ إلاّ القليل.

كانت هذه المجموعة تخرج إلى بعض المتنزَّهات، فتقضي اليوم كله في مذاكرات ومناظرات وسرد نوادر ورواية نكات وطعام وشراب. ولم يكن الناس يجاوزون في الوادي الهامَةَ والجُدَيْدة وبَسّيمة وعين الفيجة، وبين أبعدها وبين دمشق عشرون كيلاً، مع أن بين دارَي بنتين لي اليوم في جدة أربعة وعشرين. ما كان الناس يقصدون الزّبَداني ومَضايا وبلودان، بل يكتفون من الوادي بما دون الفيجة.

وربما ناموا في تلك القرى، فكان الفلاحون من أصحاب الدور التي يستأجرونها يفرشون لنا الحشايا والفرش على الأرض، وننام عليها كما ينام أكثر أهل دمشق، فإذا أصبح الصباح طووها ونضّدوها ووضعوها في فجوة تكون في الجدار في كل بيت من بيوت الشام تشبه الخزانة ولكن ما لها رفوف ولا أبواب تُدعى «اليوك» (وما عرفت ولا حاولت يوماً أن أعرف من أين جاء هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>