جعلوه مدرّس رياضة، فأسّس فيها أسساً وخرّج الله به أبطالاً. ولهذا حديث آخر، والكلام عنه اليوم في أمر يتصل بي ويتصل بالثورة التي كان الكلام في الحلقتين السابقتين عنها.
أمضيت ست سنين في «مكتب عنبر» منفرداً، لا أخالط الطلاب ولا أشاركهم في جِدّ ولا لعب. فما الذي جعل الأستاذ الرفاعي يدعوني يوماً، وكانت الثورة في عنفوانها، وفي يده مجلة مصرية فيها «قصيدة شوقي»، فيسألني: هل أنا مستعد لإلقائها على الطلاب؟
مَن قال له أني أحسن إلقاء الشعر؟ من عرّفه بي وأنا ما كنت أعرف ذلك من نفسي معرفة يقين؟ وقلت: نعم. قال: خذها فاحفظها وغداً تلقيها.
وكان الغد فجمع الطلاّبَ وجاء بعض الأساتذة، ووقفت أتلوها:
سلامٌ من صَبا بردى أرقُّ ... ودمعٌ لا يُكفكَفُ يا دمشقُ
ومضيت فيها، وأخذتني الحماسة فنسيت أن المدرسة حكومية وأن فيها مدرّسين فرنسيين، وأن الثورة قائمة وأننا نسمع أصوات الرصاص والرشّاشات ونحن في الفصول. وجهرت بها وأطلقت صوتي كله، وكنت (وأظن أنني لا أزال) أُسمِع الجامع الأموي كله بلا مكبّر.
وحضر المدير وهو أستاذنا جودة بك الهاشمي، وكانت له في نفوسنا هيبة تبلغ حدّ الرهبة، فأحسّ كأني تردّدت لمّا أبصرته فأشار إليّ أن أكمل، فأكملت القصيدة. وكان الطلاب، بل كان