المدرّسون أيضاً، يصفّقون عند كل بيت ويستعيدونه ويهتفون، صفّقوا حتى احمرّت الأكفّ وهتفوا حتى بُحّت الحناجر. لا إعجاباً بإلقائي بل بشعر شوقي، بل إعجاباً بالموضوع العظيم الذي نظم فيه شوقي قصيدته، وهو الثورة السورية.
ثم وصلت بعد أسبوع قصيدة خير الدين الزركلي فأمرني بإلقائها، وتكرّر الاجتماع والحماسة مني والتصفيق والهتاف منهم.
وأنا لا أزال -إلى اليوم، بعد خمس وخمسين سنة- أحفظ أكثر أبيات القصيدتين. لقد كان شوقي «لسان العرب» الذي يُعرِب عن آلامها وآمالها ويصوّر أفراحها وأتراحها، فما مرّ بالعرب، بل بالمسلمين، حدث إلاّ كانت لشوقي قصيدة فيه، لذلك كان شعره ديوان العرب في هذا العصر.
* * *
هذه القصيدة ليست من أجود ما نظم شوقي وقافيتها من أصعب القوافي. وأنا أعرف ظروف نظمها، فقد نظمها على عجل، ولكن شاعريته محت آثار عجلته فجاءت فيها أبيات سارت في الناس مسير الأمثال، وخلدت خلود أبيات المتنبّي، وصارت مدداً لكل خطيب يخطب أو زعيم يقود. حوت معاني تبقى جديدة ولو مرّت عليها السنون:
فُتُوق المُلْكِ تَحدُثُ ثمّ تَمْضي ... ولا يَمْضي لِمختلفين فَتْقُ
فإن كنا متفقين رتقنا كلّ فَتْق وسددنا كل ثغر، أما إذا اختلفنا وتنازعنا فإنها تذهب ريحنا ويكون فشلنا. ولا تقولوا: ما له ينصحنا