لا، ليست أربعة وسبعين كيلاً (كيلوغراماً) بل أربعة وسبعين غراماً.
لقد شغلني ذكر الطعام عن إتمام الكلام. كنت أبقى في المحكمة وينظّف الفرّاشون غرف الوزارة فوقنا، وأحياناً يُلقون بالكُناسة من الشبّاك، فربما دخل بعضها أو دخل غبارها إلى غرفتي، فأزجرهم وأكلّم رؤساءهم. وكنت يوماً في غرفتي ساعة العصر، وكان في غرفة المحاكمة مجلس تحكيم يعقده الحكَمان وبيننا باب مفتوح، أسمعهم وهم يسألون الزوجين ومَن شاءا من الأقرباء والشهداء، لأن للحكمَين سلطاناً ليس للقاضي، فهما مُطلَقان غير مقيَّدَين بقانون المرافعات وحكمهما نابع من قناعتهما وتابع لها لا لقانون مكتوب.
وكان الحكمان هما الصديقان رفيقا الصبا والشباب الشيخ ياسين عرفة والشيخ كامل القصّار، فسمعت ضجّة، وإذا بفرّاش الوزارة يُلقي بالكُناسة من النافذة فيدخل بعضها عليهم. وجاؤوني ببعض ما أُلقيَ فيها من أوراق ممزَّقة، فنظرتُ فلمحت في قصاصة منها اسمي، فأخذتها ودخلت غرفتي بما وجدت منها وعكفت عليه أجمع هذه القطع الممزَّقة وأحاول أن أعيدها، وأضعت في ذلك أكثر من ساعة حتى كادت تكتمل الصفحة وقرأت ما أمكن قراءته منها، فإذا هي كتاب رسميّ لإبلاغي أنه "بموجب المرسوم الجمهوريّ رقم ١٤٥٠ وتاريخ ٢٧/ ٤/١٩٥٣ قد نُقلت مستشاراً في محكمة النقض".