وتبين أنه لم يفهم من الإقليم الشمالي إلاّ ما كان شمالي القاهرة! وإن سمح لي سعادة الرئيس الحاضر هنا (مع أسمى تقديري وأصدق احترامي) أن أقول لقلت إن سيادته أيضاً ...
وقطعت الكلام وقعدت، فصفّقوا وصاحوا من أرجاء القاعة: أتمِمْ أتمِمْ، فقمت وقلت: إذا أتممت ربما غضب مني سيادة الرئيس. قال: لا، أكمل. فقلت: إن سيادة الرئيس أيضاً لا يعرفنا، بدليل أن بطاقة الدعوة إلى هذا الاجتماع مكتوب فيها "أبريل سنة ١٩٥٩ المقابل لنيسان سنة ٥٧١٩"، وهذه هي السنة العبرية. فهل حسب سيادته أننا يهود؟ ثم قلت: وأنا أعود فأقرّر أني أقول هذا مع الاعتذار الشديد لسيادته والاحترام العميق.
وهذا الذي قلته عن إخواننا في مصر كان ينطبق عليهم لمّا كانوا معتكفين في ديارهم لا يكادون يخرجون منها، وإن نُقل موظف فيها من الوجه البحري إلى الوجه القبلي أقام الدنيا وأقعدها وحسب أنه نُفي إلى آخرها. أمّا الآن فقد تبدّلَت الحال، وانتشر المدرّسون المصريون والأطباء المصريون في جميع البلاد العربية وعُرفوها وعاشوا فيها، وكان لهم في كل ميدان من ميادينها أعظم الأثر. فعذراً مما قلت لأنني سردت تاريخاً.
* * *
كنا نجتمع في دار القضاء العالي، وأذكر أنها كانت في شارع فؤاد، ولست أدري بماذا يدعونه الآن لأنهم في مصر مولَعون بتبديل الأسماء؛ فقد كان لبّ البلد ميدان العتبة الخضراء ثم سُمّي ميدان الملكة فريدة، ولست أدري ما يُسمّى الآن، وميدان قصر