للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلاّ هِناتٌ هَيّنات كأنها حُصَيّات ألقتها في طريقي المصادفات: كُناسة أُلقيَت من نافذة الوزارة فدخلت عليّ من نافذة المحكمة، وصداقة مع الوزير نشأت من محاضرة ألقيتها في جمعية التمدن في دمشق! ومن قبلُ صحبتُ ابن خالتي الشيخ طه الخطيب فزرت معه المدرسة الأمينية، فعلقت رجلي بالفخّ واشتغلتُ بالتعليم من تلك السنة (١٣٤٥هـ) إلى الآن. وزرت الأستاذ معروف الأرناؤوط مع أخي أنور العطار رحمه الله في جريدته «فتى العرب» سنة ١٩٣٠، فاشتغلت بالصحافة زمناً من عمري.

وضللت مرة طريقي وتوجهت إلى غير غايتي وحاولت أن أعمل بغير ما أظن أني خُلقت له، فاشتغلت بالتجارة وما أنا من أهلها ولا أصلح لها، فردّتني إلى الطريق مقابلة عارضة للأستاذ محمد علي الطيبي رحمه الله، تلميذ أبي وخليفته في عمله بالمحكمة.

كلها أحداث صغيرة ربما سُمّيت مصادفات، وما في الكون مصادفات؛ إن هي إلاّ أمور مقدَّرات محسوبات.

ألا تعرفون قصة البدوي التي حدّثت يوماً بها من إذاعة دمشق من أكثر من ربع قرن؟ لقد فصّلتها يومئذ وأوجزها اليوم.

بدوي كان يعيش في صحراء (١)، ما عرف المدن ولا زارها ولا أظلّته سقوفها، يقيم حيث طاب له المقام وحيث يجد الكلأ والماء، ينصب خيمته فتكون هي دنياه يستغني بها عن الدنيا، ويُطلِق أنعامه فتكون له الغذاء والسقاء. أخذوه مرة إلى المدينة


(١) انظر مقالة «أعرابي في بلودان» في الكتاب الجديد، «نور وهداية»، الذي أوشك أن يصدر بإذن الله (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>