قبل بلدي، فهي بلدي الأول وبلد كل مسلم؛ ما يسرّني أن يسلم بلدي بأذاها، بل إني أدفع عنها الأذى ببلدي وداري وأهلي، لأنها إن سلمت فكل شيء سالم وإن أصابها شيء لم يسلم لنا بعدها شيء، لأنها تكاد تكون لنا كل شيء.
أرأيتم المغناطيس كيف يجذب قطع الحديد من حوله؟ كذلك تجذب مكةُ الناس. ولست أدري لماذا يذهب أهلها فيسيحون في البلدان والبلدانُ كلها تكون كلَّ سنة هنا، تدور حول هذا البيت من الغرب إلى الشرق كما تدور الأفلاك على قطبها، فكأن كل حاجّ كوكبٌ وهذا المطاف هو الفضاء الأرحب الذي تسبح فيه النجوم والكواكب.
لقد قرأت مرة لناقد فرنسي تقريظاً لقصة لم يجد أبلغَ في الدلالة على عمق أثرها في نفس قارئها من أن يقول:"إني أتمني أن أنساها ثم أعود فأقرأها من جديد، فأستمتع بها كما استمتعت أول مرة". إذا كان هذا يُقال في قصة أدبية فماذا ترونني أقول في بيان شعوري لمّا رأيت الكعبة أول مرة؟ كنت أتوجّه إليها في صلاتي وأنا في بلدي، كما يتوجّه إليها كل مسلم وبينه وبينها صحارى وبحار وجبال وأنهار ومدن كبار وصغار، يتخيّلها على البعد يحنّ إليها ويتمنى رؤيتها.
وما نعبد الكعبة ولا نعظّمها لِذاتها، ولا نقدّس جدرانها وبابها ولا كسوتها وأثوابها، ولكننا نحبها لأنها بيت ربنا الذي نتوجه إليه حين نقف بين يديه. وإن قلت «بيت ربي» فإنما أعني البيت الذي شرّفه بنسبته إليه، وتعالى الله عن أن يُحيط به بيت أو أن يحدّه زمان