والثاني أنهم قالوا: كيف تقول إنك لا تُعِدّ المحاضرات ثم تكتب ما حاضرت به؟ أليس معنى هذا أنك تُعِدّها وتكتبها؟ لا، ليس معناه أني أعددتها وكتبتها، ولكن معناه (وهذا هو ما يقع لي، لا أكذب القراء) أنني بعد أن ألقيها أجدها منقوشة في ذهني فأكتبها. يحصل هذا معي كثيراً، أما هذه المحاضرة فقد كتبها إخوان ودوّنوها فبقيَت لديّ (١).
* * *
أنا أحب من المذكرات ما يَعرض لنا الحوادث مفصّلة، مبيّنة الأجزاء مكشوفة الخفايا. والفنّ كله في عَرض هذه التفاصيل، ولولاها لكانت كل قصة حب مثلاً ككل قصة حب: اثنان يتعاطفان ويتحابان، ثم يلتقيان أو يفترقان، فإن افترقا بموت أو إكراه أو عائق يعوق اجتماعَهما جاءت النتيجة على غير ما يحب القارئ وكانت مأساة (تراجيدي)، وإن اجتمعا جاءت وفق ما يحب.
وأعظم قصص الحب في آداب الأمم هي المآسي، ولولا ذكر التفاصيل لكانت قصة «قيس وليلى» كقصة «روميو وجولييت» و «بول وفرجيني» و «فرتر» و «رفائيل» و «غادة الكاميليا» و «مم وزين» في الأدب الكردي (وقد نقلها إلى العربية الأستاذ سعيد رمضان البوطي الدمشقي)؛ قصة واحدة مكررة ما تبدّل فيها إلاّ الأسماء والمواضع.
(١) انظر صفحة ١١٣ في هذا الجزء من الذكريات، والمحاضرة منشورة في كتاب «فصول إسلامية» بعنوان «طرق الدعوة إلى الإسلام». قلت: وأحسب أنه عاد إليها -بعدما كتبها مَن سجّلها- بالتنقيح، فما كان ليقبل أن تُنشَر إلا أن تكون بأسلوبه الذي يرضاه (مجاهد).