ويبدو أنهم بحثوا الأمر بينهم وذهب الأستاذ الصواف فتكلم فيه، فجاءني رجل يقرع عليّ باب الغرفة يقول إنه أحمد السوّاق. ولم أكن أعرفه ولا طلبت سوّاقاً، فسألته ما الذي جاء به، فقال إن الحكومة بعثت به إليّ وجعلت هذه السيارة تحت أمري يسوقها بي إلى حيث أريد، لأنني دخلت في زمرة الضيوف.
فسألتُ الشيخ الصواف عن هذا، فقال إنه كلّم أولياء الأمر فاعتذروا وألحقوني بضيوف الحكومة. فطلبت منه أن أشكر الذي استضافني، فأخذني إلى أمير مكة، وكان سموّ الأمير عبد الله ابن الملك سعود رحمه الله.
ووجدت هذا السائق من الطارئين على البلد ليس من أهله، وهو ذكي من أذكى مَن عرفت مِن الناس كذّاب من أكذب مَن عرفت من الناس، يكذب الكذبة ويُلبِسها ثوباً جميلاً ويجعل لها قصة يشوقك سماعها، يزيّنها لك بحلاوة لسانه حتى لَتحسب باطلها حقاً! ولم أكن أحتاج إليه ولا أعرف في مكة مكاناً أذهب إليه بالسيارة، فطلبت أن يُعفوني منها، ولكن كرمهم أبى إلاّ أن يُبقوها لي، فقلت له: أنا لا أحتاج منك إلى شيء فاذهب حيث شئت. فصار يذهب فيُركب الناس بالأجرة في سيارة الحكومة، وهي محسوبة عليّ ولا أدري.
وما وجدت أكذب منه إلاّ نادل (خادم) الفندق. وهو رجل من بلاد النوبة خفيف الروح ضاحك الوجه، يستلّ منك غضبك استلالاً، مهما تأمره يقُل لك: حاضر. يقول: دقيقة واحدة، وتمرّ الدقيقة والساعة بعدها ويمرّ اليوم ولا يُحضِر لك ما طلبتَ. وتارة