مكانه وذهبت أزوره لمودّة كانت بيني وبينه، وقد دنوت منه لمّا أنشأ مجلة الأوقاف (وكنت قاضي دمشق) فجمع لها لجنة فيها أكثر أدباء البلد، مع أنها مجلة صغيرة تضيق عن جهد واحد منهم.
ومن ظرائف أخبارها أني تطوعت للإشراف على طبعها وتصحيح تجارِبها، فوجدت يوماً في الافتتاحية التي كتبها أستاذنا سليم الجندي (وكان هو رئيس التحرير) كلمة «مواضيع»، فعلّقت عليها بحاشية قلت فيها:"لا تُجمع كلمة «موضوع» على «مواضيع» بل «موضوعات»، كما قال شيخنا سليم الجندي في كتابه «إصلاح الفاسد من لغة الجرائد» الذي يردّ فيه على الشيخ إبراهيم اليازجي". وإبراهيم اليازجي لُغويّ معروف في لبنان، وأبوه نصيف اليازجي من قبله، وهو نصراني يلقَّب بالشيخ.
أقول إني زرت جميل بك فوجدته مع زوجته، وهي عجوز مثله، عند مطوّف لم يرعَ لهما حرمة السنّ ولا علوّ المنزلة، فأسكنهما في غرفة رطبة مظلمة تحتاج إلى شمعة في رأد الضحى، لا ترى الشمس ولا يصل إليها خيط من أشعّتها. فتألمت له وفكّرت بدعوته إلى النزول معي في الفندق، وذهبت أسأل عن أجرة النزول فيه فإذا هي كبيرة، فتنبّهت حينئذ لنفسي، وطلبت كشفاً بحسابي لأعرف ما يُطلب مني، فإذا هم حسبوا أجرة الغرفة من يوم حجزَها لي الأستاذ الصواف، وإذا المبلغ الذي اجتمع عليّ كبير ربما ثَقُل عليّ دفعه! وتحدّثت بذلك مع إخواننا من نزلاء الفندق وسألتهم: كم يدفعون؟ فعجبوا من سؤالي، ولمّا عرفت سرّ عجبهم كان عجبي أكثر، ذلك أنهم كانوا جميعاً ضيوفاً على الحكومة، لذلك تعجّبوا أن أنزل على حسابي.