فيا ليت مدرّسي الفقه -إن علّموا الطلاّبَ أحكام الحجّ- عرضوا لهم صور المشاعر وأماكن العبادة، ليصلوا علوم الدين بحياة الناس في هذه الدنيا.
ولولا أني أبعد عن موضوعي لعرضت لشيء أعلم أن ليس هنا مكانه، ولكنها ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين. هي أن دروس مدرّسي الدين وخطب خطباء المساجد ومواعظ الوُعّاظ لا تبلغ من نفوس الناس غالباً مبلغها المرجوّ لها لأنها تأتي بعيدة عن الحياة منفصلة عنها، فكأنها الآثار تُقتنى للإعجاب بها ولكنها لا تُستعمل للاستفادة منها. تُعرض في الرائي البرامج وهي شتّى، ولعلّ منها ما يخالف الإسلام (وأنا لا أقصر الكلام على المملكة بل أعمّم) ثم تُختم بتلاوة القرآن كما بُدئت بتلاوة القرآن، فتأتي التلاوة منفصمة عما كان قبلها وعما كان بعدها.
وننسى أن القرآن لم ينزل جملة واحدة كما نزلت الكتب من قبله وكما طلب الكفّار، بل نزل منجماً مرتبطاً بالحياة؛ تكون قصة أسرى بدر فينزل فيها قرآن، وتكون مسألة الإفك فينزل فيها قرآن، ينزل دائماً مقترناً بالأحداث لنفهمه دائماً مرتبطاً بالحياة ولنربطه بها.
* * *
وكان من حُجّاج تلك السنة رجل من دمشق كبير في سنّه وفي منصبه وفي منزلته في قومه، هو جميل بك الدهّان الذي كان يوماً مدير الأوقاف العامّ، الذي كان يومئذ بمثابة الوزير لأنها لم تكن قد صارت وزارة. فلما سمعتُ بقدومه رحمه الله سألت عن