للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفهم هذا الكلام مع أن صاحبه، أي الأفوه الأودي، كان كما يقولون يعيش في عهد قريب من عهد المسيح بن مريم عبد الله ورسوله، صلّى الله عليه وعلى جميع رسله. فهل يفهم الإنكليز اليوم شعر مَن كان قبل شكسبير؟ وهل يفهم الفرنسيون شعر القرن الثالث عشر الميلادي؟

لقد قُلت من قديم كلمة تناقلها الناس وقرّظها وأيّدها أستاذنا عزّ الدين التنوخي، هي أن العربية تأتي في الدرجة الأولى، أمّا الدرجة الثانية والثالثة فشاغرتان فارغتان، وفي الدرجة الرابعة الفرنسية والألمانية معاً، أما اللغة الإنكليزية فتجيء متأخرة في المرتبة. وأنا لا أعرف منها إلاّ ثلاث كلمات: إذا أردت أن أرجو أحداً ذكرت اسم «إبليس»، وإن أردت أن أرحّب به قلت له: «ويلَكُم»، وإذا سألت عن شيء قلت للبيّاع: «هَمَج»! وفهمت أنها لغة ليس لها قواعد مضبوطة، وأن أكثرها سماعي، وأن فيها حروفاً تُقرأ تارة على شكل وتارة على شكل آخر؛ فهي لغة عرجاء، ولكن يقظة قومها سيّرَتها في أرجاء الأرض وجعلَتها اللغة الأولى.

ولست أدري لماذا يُدرس الطب والهندسة في كثير من بلدان العرب بالإنكليزية، وهو يُدرس في الشام من أكثر من ستين سنة باللغة العربية فما ضاقت به ولا عجزَت عن أداء ما تحتاج هذه الدراسة إليه. وقد نهض بهذا العبء جماعة من الأساتذة مضوا جميعاً إلى رحمة الله، ما قامت به حكومة ولا قامت به مؤسسة.

وأنا أذهب في ذلك مذهباً وسطاً، هو أن تدريس الطبّ يقتضي استعمال كلمات من اللغة العامّة وكلمات هي مصطلحات

<<  <  ج: ص:  >  >>