للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي لم يُكمِل التاسعة عشرة، وهو شابّ عزب، إلى إنكلترا ليتعلم اللغة فيها. فحاولت أن أبيّن له مخاطر ما هو مُقدِم عليه، وهو يجادلني يُصرّ على أن الإنكليزية ضرورة له في عمله. فقلت له: ناشدتك الله أن تصدُقني، وأنا لا أعرفك إلاّ صادقاً. لو كان في البلد الذي تبعث به إليه مرض سارٍ احتمالُ أن يُصاب به عشرة في المئة، أكنت مرسله أم كنت تقول إن الصحة أثمن من تعلُّم الإنكليزية؟ فتردّد قليلاً ثم قال: لم أكن إذن مرسله. قلت: فلماذا لا تهتمّ بدين الولد وأخلاقه مثل اهتمامك بصحّته، واحتمال أن يُصاب في دينه ثمانون في المئة لا عشرة؟

واللغة العربية أكمل اللغات ما عرفها التاريخ إلاّ كاملة، حتى تعجّب من ذلك أرنست رينان. وهي أوسع اللغات، ولا يغرنّكم أن في القاموس المحيط ستين ألف مادة وفي لسان العرب ثمانين ألفاً وأن المعاجم الإنكليزية فيها مئات الآلاف، لأن مثلنا ومثلهم مثل رجل له سبعة أولاد فقط، لكنهم خرجوا جميعاً من صلبه وولدتهم امرأته، وآخر عنده مئة ولد ولكنهم لقطاء وملمومون لمّاً من الملاجئ والشوارع.

العربية كبنت الأصل المعروفة النسب، لذلك نفهم اليوم شعر المهلهل وعُدَيّ بن زيد، وكثير من شعراء الجاهلية الذين كانوا قبل ألف وخمسمئة سنة، بل نفهم الأفْوَه الأَوْدي إذ يقول:

لا يَصلُحُ الناسُ فوضى لا سُراةَ لَهُمْ ... ولا سُراةَ إذا جُهّالُهم سادوا

والبيتُ لا يُبتنى إلاّ لهُ عَمَدٌ ... ولا عِمادَ إذا لم تُرسَ أوتادُ

<<  <  ج: ص:  >  >>