للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القديم، ولم تَسِل وتَمِع ميَعَان عليكرة، بل أخذت من طرفَي الأمور بأحسنها وكانت تجرِبة كتب الله لها النجاح.

وكان المثل الأكمل لهذه الطريقة هو أبو الحسن؛ أمسك الخَيرَين باليدين، فما أضاع القديم ولا أهمل الانتفاع بالجديد. وإذا كان أول ما يؤخذ على أكثر علمائنا ومشايخنا والدعاة إلى الله منا أن جمهورهم لا يُحسِن لغة أجنبية، فأبو الحسن يُتقِن ثلاث لغات إتقاناً كاملاً، الثلاث التي هي أكثر أَلسُن الأرض ناطقين بها: العربية والأوردية والإنكليزية، ويعرف فوقها الفارسية. وإذا كان الشاعر القديم صادقاً حين قال: «فكلُّ لسانٍ في الحقيقةِ إنسان»، فأبو الحسن ثلاثة في واحد. لا أقول إنه كتثليث النصارى، تعالى الله لا إله إلاّ هو الربّ الواحد، بل أقول إنه جمع الفضل مثلثاً.

وإذا كان منا من يدفع أحياناً دين ولده وخلقه ثمن تعلُّم اللغات (والإنكليزية خاصة) فإن أبا الحسن تعلّمها في بلده من غير أن يفارق أهله. وما ذاك بالمستحيل، فإن أخي الدكتور عبد الغني الأستاذ الآن في جامعة أم القرى، الذي ابتُعث إلى باريس ليدرس الرياضيات في السوربون سنة ١٩٣٨، أي قبل نصف قرن، ما كان يعرف كلمة من الإنكليزية. فلما كسدت سوق الفرنسية وتمّت الغلبة للإنكليزية عليها درَسها بنفسه من غير معلّم حتى صار يقرأ نصوصها ويعرف قواعدها، بل درس بعد ذلك الألمانية وحده وأتقنها.

فما لنا نولي اللغة الإنكليزية من الاهتمام أكثر مما لها؟ كنت مرة في زيارة الشيخ الدكتور مصطفى السباعي رحمة الله عليه، فوجدت عنده تاجراً من تجار الشام المعروفين يريد أن يبعث بولده

<<  <  ج: ص:  >  >>