في وزنها وفي قافيتها، فحمّلوا الشعر ركاكتهم وعامّيتهم ونشاز موسيقاهم، فكانوا كمن يشارك في جوقة تغنّي من مقام انسجم معه السامعون وألفته آذانهم، فغنّى من مقام آخر فشكّ الآذان وأذهب الطرب.
ولكن المصيبة أن الكلام لا ينفع معهم لأنهم مثل الصمّ وأنت تقوم بينهم تعرّفهم مزايا الأنغام والفوارق بين المقامات، فهل يدرك الصمّ (أي الطرشان) دقائق النغمات؟
* * *
وكان من كبار شعراء الشام شفيق جبري، وإذا مدحته اليوم فلطالما اضطرّتني ظروف الحياة إلى الهجوم عليه ونقده. كان رئيس ديوان المعارف، وذلك كوكيل الوزارة اليوم، والذي يتولى عملاً إدارياً له صلة قوية بالناس يكثر خصومه. وكنت شاباً مندفعاً فهاجمته مرات، ولما فُتحت مدرسة الأدب العليا (وكان مديرها سنة ١٩٣٠ أو ١٩٣١) وعرّف الأدبَ بأنه أُلهيّة شريفة رددتُ عليه برسالة مطبوعة عنوانها «الأدب القومي»، ولكن لما نُحّي عن منصبه وجاؤوا بدكتور اسمه كامل أشرفية هاجمت الدكتور ومدحت جبري، ووضعت في رأس المقالة كلمة ابن هبيرة:«ما رأيت كالفرزدق، هجاني أميراً ومدحني معزولاً».
وأشهد الآن وقد مضى للقاء ربه أنه كان شاعراً، ولعله أشعر أهل الشام، حاشا السنوات التي سبقت دخول الفرنسيين والتي توالت بعدها واتّقدت فيها شاعرية خير الدين الزركلي وجاء بتلك الروائع.