المنغمسة في المادة القائمة عليها، أو هو «ردّ فعل» كما يعبّرون في هذا الأيام، وأكثر تصرفات البشر من باب ردود الفعل.
والناس إنما يطلبون ما يفقدون ويزهدون فيما يجدون. ولقد جاءنا في مكة من اثنتي عشرة سنة وفد كبير من الأميركيين المسلمين من البيض منهم ومن السود، قعدوا معي في الحرم ساعات طوالاً، كان يترجم بيني وبينهم الدكتور مجاهد الصوّاف، ابن أخي الأستاذ الشيخ محمد محمود الصواف. فكان مما قالوه لي: إنكم تقولون في الدعوة إلى الإسلام إنه دين العلم وإنه دين النظافة وإنه دين التنظيم، ونحن أوسع منكم علماً ومدننا أشدّ نظافة ومجتمعنا أكثر تنظيماً، فما هذا الذي نحتاج إليه ولا هذا الذي نريده؛ إنما نريد ما يُنعِش أرواحنا، نريد الجانب الروحي من الإسلام.
والذي قالوه حق نبّهوني إليه وقد كنت غافلاً عنه؛ إن الإسلام للحياة كلها يُصلِحها ويسدّد خُطاها، والحياة مادة وشيء وراء المادة. والإسلام للناس جميعاً، والناس مؤلَّفون من جسم ونفس وروح. والدعوة الصحيحة إلى الإسلام هي التي تجمع الحسنيَين، على أن يكون هذا المزج بين مطالب الروح وحاجات الجسد مزجاً شرعياً. والله جعل كل شيء بقدَر، فكما تتّحد العناصر بنسب معيّنة فلا تأتلف ذرّة الأوكسجين إلاّ مع ذرتين من الأيدروجين، كذلك جعل توازناً دقيقاً مُحكَماً بين الروحيات والمادّيات. ومن الناس من يميل ميزانه إلى إحدى الكفّتَين.