للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشرت في الحلقة الماضية إلى واقعة فهمها ناس على غير وجهها، فجئت الآن أبيّنها.

كان مما قلت لهم في ذلك اليوم أن أبا الأنبياء إبراهيم بوّأ اللهُ له مكان البيت وقال له: {وأذِّنْ في الناسِ بالحَجّ}، فأذّن به فاستجاب له المؤمنون يلبّون: {يأتوكَ رجالاً وعلى كلِّ ضامِرٍ}، يأتون من البرّ والبحر والجوّ، بكل رَكوبة سخّرها الله لهم ودلّهم عليها بالعقل الذي منّ به عليهم: {يأتينَ مِنْ كلِّ فَجٍّ عميقٍ}، من الشرق والغرب، من الشمال والجنوب، من قلب إفريقيا ومن أقاصي آسيا ومن مدن أوربا، من المناطق الاستوائية التي تتلظّى حراً إلى البطاح الباردة التي تنام وتصحو على الجليد: {لِيشهَدوا مَنافِعَ لهمْ}. والإسلام كله منافع تُجلَب ومفاسد تُدرأ، وخير في الدنيا وخير في الآخرة، {ويَذكُروا اسمَ اللهِ في أيّامٍ مَعْلوماتٍ}، وذكر الله هو غاية الغايات وهو مقصد الحياة.

المؤمنونَ قدِ استجابوا للنداء ... نداءِ ربِّ العالَمينَ وأسرَعوا

سارَتْ رَكائبُهُمْ ضُحىً قد أحرَموا ... والشوقُ يَحفِزُ والمدامعُ تدفَعُ

ومشَتْ قوافلُهُم حَدا الحادي بها ... يُصغي لَهُ رَملُ الفلاةِ فيمرَعُ

جَدّوا المسيرَ وأعنقوا حتى بدا ... لهُمُ وراءَ الأُفْقِ نورٌ يسطَعُ

فتيقّنوا أنْ قدْ رأَوا أرضَ الهُدى ... ودنا الوصولُ فهلّلوا وتضرّعوا

وتجاوبَت تلكَ البِطاحُ بقولِهِمْ ... لبّيكَ ربّي والبطائحُ خُشّعُ

لبّيكَ والدنيا تردّدُ قولَهُمْ: ... لبّيكَ ربّي، أنصِتوا وتَسمّعوا

"لبّيك اللهم لبّيك" (وهنا نلبي جميعاً)، دعاكم إلى بابه أكرمُ الأكرمين فقولوا: لبّيك إننا مقبلون عليك، نقصد رحابك ونلزم

<<  <  ج: ص:  >  >>