للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأيت منهم دعوة صادقة بأن أقيم فيها وأن أكون عاملاً صغيراً بين العوامل الكبار جداً على نهضتها، وكنت أجيب بالشكر ولا يخطر على بالي يوماً أن ذلك سيتحقق.

فلما ضاق العراق بأخينا الشيخ الصوّاف على عهد عبدالكريم قاسم وكثرت الإساءات إليه، وامتدّت الأيدي للعدوان عليه حتى شاع خبر مقتله، وكأن الذي ركّب قصة هذه الشائعة كان أديباً موهوباً وقصصياً حاذقاً فجاءت قصة تستدرّ الدمع من عيون الصخر. وسمعتُها، وكان لي يومئذ حديث دائم في إذاعة دمشق فجعلت حلقة منه في رثائه، فبكيت وأبكيت السامعين. فلما هرب من العراق استقرّ حيناً في الشام أيام الوحدة، فضايقوه فذهب إلى مكة فاستقرّ فيها، وصار يعرض عليّ أن أعمل فيها معه.

ولكني كنت مستريحاً في عملي مكتفياً في رزقي، ما أجد ما أشكو منه، وإن كانوا وكلوا أيام عبد الناصر مَن يلازمني في ذهابي وإيابي، لا يفارقني إذا خرجت من منزلي حتى يصل معي إلى محكمتي، فإذا دخلتها بقي على بابها يلازمه لا يبتعد عنه حتى أخرج فيعود معي، واستمرّ ذلك حتى عرفته وعرفني وألفته وألفني، وصرت أكلّمه وأنصحه فيسمع مني، فلما رأوه قد مال إليّ بدّلوه. وما كان ذلك ليضرّني، وإن كان يؤذيني ويثقل على نفسي.

وعاد الصواف يُلِحّ عليّ بالعمل في المملكة، فكنت أشكره وأُفهِمه أنني غير مفارق بلدي، حتى جاءتني يوماً برقية بأن الملك سعوداً رحمة الله على روحه وافق على أن أعمل في مكة أستاذاً في كلية الشريعة. وما كان في تلك الأيام -على ما أعلم- من كلية

<<  <  ج: ص:  >  >>