للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عالية في المملكة سواها. ثم جاءني بعد حين بطريق رسميّ صورة من كتاب أرسله معالي وزير المعارف الشيخ حسن (رحمه الله وأسكنه بفضله ورحمته جنّته) إلى الصوّاف يستقدمني فيه.

وسارت الأوراق في طريقها تدفعها السفارة في دمشق، وأنا أسير معها كأنني أمشي مغمض العينين أو كأنني شاربٌ مخدّراً! فأنا أمشي حيث يمشون بي، حتى لم يبقَ إلاّ أن أُعطى ما يُدعى «أمر الإركاب»، أي الكتاب الرسمي إلى شركة الطيران السعودي لتحملني إلى مكة.

واتفق أن قدم الشام في تلك الأيام وكيل وزارة المعارف، وأذكر أن اسمه الأستاذ الدمنهوري رحمه الله. فذهبت أزوره في الفندق أسلّم عليه وأتعرف إليه، وإذا أنا أواجه فكرة طرأت على ذهني فجأة، ليس لها مقدّمات ظاهرة ولا أسباب معروفة، عجبت منها أنا قبل أن يعجب منها غيري، هي أن أعتذر عن السفر وأعود إلى القصر العدلي، إلى المحكمة التي ودّعت أهلها آنفاً. وخبّرت سعادة الوكيل بذلك وقلت له: لا تعجب ياسيدي، فأنا والله في عجب من ذلك، ولكن القلوب بيد الله والله يحول بين المرء وقلبه، لذلك أمرَنا فقال: {وَلا تَقولَنَّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلكَ غداً إلاّ أنْ يَشاءَ اللهُ}. إن المرء ربما استطاع أن يحكم بعقله على يومه، أمّا غده فباب مُغلَق ليس معه مفتاحه ولا يُبصِر ما وراءه.

وحاول الوكيل رحمه الله أن يثنيني عن هذا الذي عزمت عليه، ولكن الخاطر كان أقوى من أن يردّني عنه شيء، فقبِل ذلك آسفاً كما قال.

<<  <  ج: ص:  >  >>