للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأذكر بوضوح أنني هبطت سلّم الفندق وأنا أتعجب من نفسي: ما الذي دفعني إلى هذا القرار الذي جاءني مفاجئاً فملأ عليّ جوانب نفسي وأمسك بزمام إرادتي وقادني إلى الاعتذار؟ وصدّقوا أني لم أعرف ذلك إلى الآن، ولكنني أعرف أني ما ندمت عليه بل كنت مسروراً به، أحسّ كأن حملاً ثقيلاً كان على كتفي وأُلقيَ عنه. وذهبتُ إلى المحكمة ولقيت الإخوان كأن شيئاً ما كان.

ومن يعمل مستشاراً في محكمة النقض لا يحسّ أنه مرتبط بزمان أو بمكان، بل يشعر أن حوله مدى واسعاً يتصرف فيه بحرّيته، ما عليه إلاّ أن يدقّق في القضايا التي تُحال عليه يدرسها وحده في مكتبه إن شاء في المحكمة (ولكل مستشار غرفة ومكتب) أو يأخذها إلى داره، وذلك أمر متعارَف، وإن كان الأَولى ألاّ تخرج القضايا من باب المحكمة.

* * *

ومرّت السنة وأنا مستريح في عملي، لا يضايقني إلاّ ما كان يضايق الناسَ كلهم في ذلك العهد. حتى إذا جاءت العطلة الصيفية خُبّرت أن لجنة سعودية لاختبار الأساتذة قد نزلت دمشق، ولعلّكم تعجبون إن عرفتم أن رئيس اللجنة التي أخذَتني إلى المملكة هو صديقنا الشيخ عبد العزيز المسند، وكان يومئذ شيخاً بالاسم ولكنه كان شاباً بالفعل.

ولم يأخذني إلى مكة أستاذاً في كلية الشريعة كما كان مقرَّراً من قبل، ولكن إلى «الكلّيات والمعاهد» في الرياض. وكنت قد زرت الرياض قبل ذلك مرتين، مرة سنة ١٣٥٣، أي قبل أربع

<<  <  ج: ص:  >  >>