وأن الكرامة ليست بناء واهياً تُسقِطه نفخة فم أو لمسة يد كالبيت الذي يبنيه الأطفال من قطع الخشب أو من فارغ العلب، ولكن الكرامة عند الكِرام أسطوانة من الصخر لو هبّت الرياح الأربع لَما زعزعَتها، وأن الذي يهتمّ بهذه الصغائر لا يكون كبيراً، فلم أعُد بعدُ أباليها ولا أهتمّ بها، إلاّ إن أحسست نيّة متعمَّدة في الإساءة إليّ أو قصداً إلى تحقيري، هنالك يعاودني الداء القديم فلا أقبل ذلك من أحد مهما كان.
ووجدت غرفة الأساتذة في الكلية واحدة تجمع أساتذة الكلّيتين (كلّية الشريعة وكلّية اللغة العربية) وكانت واسعة جداً فيها طاولة كبيرة جداً وحولها أكثر من ثلاثين كرسياً، يجتمع فيها الأساتذة، لكن يقعد النجديون في جهة منها والمعاقِدون (أي المتعاقدون) في جانب، وقلما يكون بينهم حديث مشترَك. فكرهت هذا التفريق من أول يوم، وقعدت مع الشيوخ النجديين تارة ومع إخواننا من الشاميين والمصريين تارة أخرى، ووجدت من الفريقَين أحسن الاستقبال وأجمل الترحيب. ووجدت جوّ الكليتين في الجملة جوّ صفاء ومحبّة، وإذا وُجد الإسلام فلن تجدوا إلاّ المحبّة والصفاء.
وأمّا الطلاب فأشهد (وأنا أعلّم من سنة ١٣٤٥هـ، من قبل أن أكمل تعليمي) بأنهم من أكثر مَن رأيت من الطلاّب أدباً مع المدرسين ورغبة في الاستفادة منهم، وتكريماً للمُسِنّين منهم.