للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الديمقراطية (وهي كلمة يونانية مؤلَّفة من كلمتين: «ديموس» أي الشعب و «كراسي» أي الحُكم، ومعناها «حكم الشعب»). فالديمقراطية عندنا حقيقة مشاهَدة صارت طبيعة فينا، وهي عند غيرنا دعاية تكاد تكون لفظاً بلا معنى. وكان الأعرابي يدخل مجلس رسول الله ‘ فيسأل: أيكم محمد؟ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يمتاز منهم في لباس ولا مجلس ولا شارة خاصة به تدلّ عليه.

وجاءني مرة الفرّاش وأنا ألقي محاضراتي، فوقف في الباب وقال على مسمع من الطلاب: المدير يريدك. فكبر ذلك عليّ وأبَته نفسي، وسمع ذلك أخي، بل ولدي وابن شيخي، الأستاذ عاصم ابن الشيخ محمد بهجة البيطار، وكان يدرّس في الغرفة التي تجاورني، فخرج وقال لي: لا تنزعج يا أستاذ فهذه هي عادتهم، إنهم على السليقة الصافية، فقُل له: تعالَ أنت.

فقلتها، فإذا هو يجيء والله حافياً مسرعاً يقول لي: إنهم يطلبونك على الهاتف من قصر وليّ العهد. فخجلت منه واعتذرت إليه. وكان لهذا الهاتف قصة ربما ذكرتها يوماً.

ولي مع المديرين والعمداء أمثال لهذه الواقعة، منها واحدة مع مدير ثانوية البصرة أيام حكمة سليمان بعد الانقلاب العربي الأول الذي قام به بكر صدقي سنة ١٩٣٧، وأخرى مع عميد كلية التربية في مكة. وكنت في تلك الأيام شديد الاعتزاز بالكرامة، آبى أموراً لا يأبى مثلَها الناس وأُنكِرها ولا يُنكِرونها، كنت أظن أنها تخدش كرامتي، ثم علّمتني الأيام أن ذلك كله من الأوهام،

<<  <  ج: ص:  >  >>