للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تظلم الحَجّاج ياأستاذ وتضعْه مع هؤلاء في نسق واحد، وتجعَلْه قريناً لهم محسوباً معهم؛ فالحَجّاج عصى وخالف وقتل على الظن وسَفَك الدماء، ولكنه ما عاث في الأرض فساداً، بل حاول أن يُصلِح ما كان فيها من فساد فأخطأ الطريق وأساء الوسيلة. لقد قضى على الفتن ونشر الأمن، وكان فيه نبل العربي وكان في قلبه -بعد ذلك- بقية من إيمان وأثارة من إنسانية، وكان ربما ذُكّر فذكر وعاد إلى الحقّ وعدل. ولست أدافع عن الحَجّاج، ولقد بسطت رأيي فيه في ثلاث قصص كنت نشرتها في «الرسالة» و «الرواية» من خمسين سنة كاملة ثم أودعتها كتابي «قصص من التاريخ» (١)، وأتمنى الآن أن يأتي مثله ليُقِرّ الأمن في لبنان.

أمّا حُكم الإسلام في هذا الذي وقع ويقع في المخيمات في لبنان فلا والله، لا الإسلام دين الحقّ يجوّزه ولا النصرانية ولا اليهودية، ولا تُقِرّه أعراف اللصوص وقُطّاع الطرق، ولا طبائع الذئاب في الغاب والحيّات والعقارب في الجحر والسرداب ... كل أولئك يُنكِرونه ويأبونه ويصرخون -لو كان لهم لسان- بالبراءة منه، ولو نُسب إلى واحد منهم فعله لعُدّت نسبته إليه إهانة له.

لا إله إلاّ الله، إنه على كل شيء قدير، يخلق على هيئة الإنسان مَن ليس فيه شيء من الإنسانية! وإلاّ فكيف يتلذّذ هؤلاء


(١) انظر في الكتاب قصة «هجرة معلم»، وقد بسط فيها علي الطنطاوي في نحو ثلاثين صفحة قصة الحَجّاج كما استوحاها من سطر واحد وجده في كتب التاريخ (كما جاء في حاشية في ختام القصة). وانظر قصتَي «ليلة الوداع» و «يوم اللقاء» أيضاً، فهذه هي القصص الثلاث التي أشار هنا إليها (مجاهد)

<<  <  ج: ص:  >  >>