للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم أكن أريد مَن يطعمني أو يسقيني ولا أفتّش عمّن يُسعِدني ويُعطيني، إنما أريد من يؤنس وحدتي ويفرّج كربتي، لأنني لا أجد ما أعمله فيما بقي من نهاري. فإذا أمسى المساء وكان الليل لم أستطع المنام، ولم تكن مكتبتي معي ولا اقتنيت غيرها كما صنعت الآن. وكنت طول عمري مرتبطاً بمجلة أو جريدة أكتب فيها، فأنا أبداً في تفكُّر في الموضوع الذي أكتب فيه، أو جمع لأجزائه، أو عكوف على إنشائه، أو انتظار المجلة أو الجريدة التي أجده منشوراً فيها. وكنت من أوائل الثلاثينيات من هذا القرن الميلادي أذيع الأحاديث من إذاعة الشرق الأدنى في يافا (التي أُنشئَت بعد إذاعة مصر بسنة واحدة)، لم ينقطع حديثي إلاّ فترات قليلة خلال هذه المدة الطويلة. فغدوت الآن (أعني سنة ١٣٨٣) في الرياض ولا جريدةَ ولا مجلة أكتب فيها، ولا إذاعةَ أُعِدّ الأحاديث لها، ولا عمل أؤدّيه، لأن الكلية كانت أيامَ الحجّ في شبه عطلة وقد ذهب كل من أعرفه للحج وكادت تخلو شوارع الرياض من الناس.

الأستاذ الصبّاغ ترك أولاده عند زميله الأستاذ اللبابيدي وذهب مع أهله إلى الحج، والأستاذ عمر عودة الخطيب ترك أولاده عند الأستاذ الشيخ مصطفى الخنّ وذهب مع أهله إلى الحج، وذهب أخي ناجي الذي كنت آنس به بعد أن قدم الرياض وسكن معي في تلك الدار، فلم يبقَ أحدٌ أزوره. كنت أذهب إلى دار الشيخ مصطفى الخنّ فأجده بين القُدور والأطباق يُعِدّ الطعام لهذا الفيلق من الأولاد حرسهم الله، وكنت أقعد معهم أحاول أن أحدّثهم وأكتب لهم لوحات بخطّ الثلث والفارسي (وأنا أجيد

<<  <  ج: ص:  >  >>