واستعدّ لها من كان أمامنا الاستعداد الذي قدروا عليه في المدّة القصيرة التي كانت قد بقيَت بينهم وبينها، وكانت نسبة النجاح ضئيلة، بل كانت مرعبة إذ كان الناجحون (فيما أذكر) لا يزيدون على ثلث الطلاب. وكان منهم (أو كان فيمن يخطر على بالي الآن منهم) جميل سلطان، وزكي المحاسني، وعبدالكريم الكرمي (أبو سلمى)، وبشير العظمة، ومنير شورى، وعبد الباسط العلمي، ومن حلب أسعد الكوراني.
وكنا نحن بعدهم، فتهيأنا من أول السنة لامتحان البكالوريا، ومن العجائب أني تركت شعبة الأدب ودخلت البكالوريا في شعبة العلوم! ومرّت السنة وساقونا إلى الامتحان في البناء الذي كنت حدثتكم عنه لما انتقلَت إليه مدرستنا (السلطانية الثانية) سنة ١٩١٩. هذا البناء القائم بين التكية الكبرى (تكية السلطان سليمان القانون) والتكية الصغرى (تكية السلطان سليم) على نهر بردى، بعمارتها التي تشبه قصراً صغيراً من قصور أوربا في القرون الوسطى.
جمعوا فيه لهذا الامتحان الرهيب طلاب الثانوية الرسمية (مكتب عنبر) والمدارس الأهلية الإسلامية، والمدارس النصرانية: العازارية والفرير واللاييك وغيرها، وطالبات هذه المدارس كلها. وجاء اليوم الذي لا أنساه، يوم وقفنا نستمع إلى «دنلوب» سوريا المستشار المسيو «راجِه» يقرأ أسماء الناجحين، وكان قلبي كما قال الشاعر:
كأنّ قَطاةً رُكّبَتْ بجناحِها ... على كبدي من شدّةِ الخفقانِ
ويظهر أن الشاعر من كثرة اضطرابه خلط بين الكبد وبين