للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد تقلّبَت بي في المملكة الأمور وتحوّلت الأحوال، حتى كاد يختلط عليّ حلوها بمُرّها وأبيضها بأسوَدها.

كنت في الرياض كمن يلبس طاقية الإخفاء التي ورد ذكرها في قصص ألف ليلة، فأنا أمشي بين الناس ولا يُبصِرني أحد من الناس كأنني استحلت إلى خيال، وأسير اليوم كأني أحمل على رأسي مصباحاً يجلب إليّ أنظار الناس، فلا أستطيع أن أدخل حديقة أو أقف على بيّاع لأن الناس يُشيرون إليّ. أما من منزلة بين المنزلتين؟ هل خلت الدنيا من التوسّط والاعتدال؟ أكُتب عليّ أن أعيش في الظلمة حتى لا أكاد أبصر طريقي أو أحدّق بعيني في عين الشمس فلا أرى شيئاً؟

إني لأعجب ممّن يسعى للشهرة ويراها شيئاً جميلاً. ما الشهرة؟ هي أن تتفتح عليك الأعيُن كلها ويراقبك الناس جميعاً فتفقد بذلك حرّيتك.

* * *

إني لأذكر تلك الأيام فأتمنى أن لا يمرّ عليّ مثلُها!

كنت في النهار كالضائع بين الناس، فإن أقبل الليل أدبر عني المنام وأقبلَت عليّ سود الأحلام، فلا أهنأ بيقظتي ولا بنومي. وإذا خرجتُ إلى حديقة المنزل سدّت عليّ هذه الجدران العالية الاتصال بالناس فشعرت كأنني سجين، ولو كنت في الفندق لنزلت إلى البهو فرأيت الناس، إن لم أرَ النزلاء رأيت الخدم، وإن لم أرَ من أكلّمه كلّمت النادل أن يأتيني بالشاي أو بالشراب

<<  <  ج: ص:  >  >>