فلما كُلفت بوضع مشروع قانون الأحوال الشخصية (وهو الذي صدر سنة ١٩٥٣، وهو المعمول به الآن في الشام بعد تعديل طفيف) اضطُررت إلى الرجوع إلى أُمّات الكتب (١) ككتاب «المُغني» لابن قُدَامة الذي أحببته حتى لا أعدل الآن به كتاباً غيره، و «المجموع» للنووي، والفتاوى لابن تيمية، وكتب علم الخلاف كبداية المجتهد، وكتب أحكام القرآن للجَصّاص ولابن العربي، وكتب فقه الحديث كسبل السلام ونيل الأوطار.
وكنا على عهد الطلب نقرأ الحُكم وندع دليله، بل ما كنا نسأل عن الدليل ونكتفي بعزو القول إلى إمام المذهب. فتعلمت من السيد رشيد رضا والشيخ بهجة البيطار والشيخ عبد الوهاب خلاّف والسيد الخضر حسين، ومما قرأت من كتب الشيخ سعيد الباني والشيخ جمال القاسمي، ومن دراسة علم أصول الفقه في كلية الحقوق على الفقيه الطبيب مفتي الشام الشيخ أبي اليسر عابدين رحمه الله ورحم كل من ذكرت، تعلّمت أنه لا يكفي بيان حُكم الله أن يُعزى إلى أبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد أو غيرهم من العلماء، لأنهم جميعاً غير معصومين من الخطأ، وأن العلم قال الله قال رسوله. فما لم ترد فيه آية صريحة أو حديث صحيح صريح أو إجماع ثابت أو قياس صحيح، فليس مما يُلزَم المسلم بقبوله ولا مما يمتنع عليه ردّه، على أن يردّه بدليل لا بمجرد التشهّي والعناد.