للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصحف، الحركات الفكرية والوطنية تنبثق منها، الرجال الذين نقرأ لهم والشعراء الذين نحفظ شعرهم منها ... وكان تخيّل ذهابي إليها أكبر من أن يمرّ وصفه من شقّ القلم، والتعبير عنه مهما كان بليغاً لا يبلغ حقيقته.

وكنت أسمع أن الأحرار من أرباب الأقلام ومن عُشّاق الحرية يؤمون مصر: أستاذنا محمد كرد علي، ومن قبله شيخ مشايخنا السيد رشيد رضا، ومن بعده خالي وأستاذي محب الدين، يأتون من كل مكان من المغرب، من الجزائر، من تونس، من ليبيا ... فلما طلب إليّ أن أسافر إلى مصر تراءى لي هذا الحلم دانياً كأني ألمسه. ولكن كيف أترك أمي وما عشت يوماً بعيداً عنها، وقد صرت أنا رجل البيت (كما يقولون) بعد موت أبي؟ وكيف أفارق دمشق وأنا لم أخرج منها إلاّ إلى ضواحيها وقراها، حتى بيروت أقرب المدن إلينا وأمسّها صلة بنا ما زرتها ولا عرفتها؟ وإذا كنت أعجز عن السفر وحدي، فكيف أتولّى أمر أختي وحمايتها وحمل أمانة صيانتها وإيصالها؟

وأُعِدّ جواز السفر، ولا يزال عندي (في دمشق) بأختامه وسِماته وتأشيراته. كنت على عتبة العشرين وكانت أختي أصغر منّي بما لا يزيد إلاّ قليلاً عن أربع سنين، ولكني مع ذلك أذكر يوم ولادتها، أراه واضحاً من وراء سبعين سنة، فكيف أذكره وقد كنت ابن أربع سنين؟

كنت مع عمتي في دار الشيخ عبد الوهاب، وهو خال أبي ولكني أدعوه عمي. وكانت لنا جارة من فرط حبها لنا وَصِلَتِها

<<  <  ج: ص:  >  >>