يجتمعون عليّ، يحسبون أن عندي علماً فهم يسألونني وأنا أجيبهم بالقليل الذي أعرف جوابه من سؤالاتهم. وكنت أجالسهم فأطيل مجالستهم، ويزداد إقبالهم عليّ فأزداد حباً لهم ودنواً منهم.
أمّا الأساتذة فلم يُكتَب لي أن أخالطهم، ولم تجاوز صلتي بهم صلة الكرة بالكرة في كومة من الكرات، تجاورها وتلامسها ولكن لا تداخلها ولا تخالطها. إلاّ واحداً منهم شاباً ذكياً مكفوفاً كان من صغار المدرّسين في الكلية، ولي معه قصتان: الأولى أنه كان يجادلني في بعض ما كتبت في تأويل ما لا بدّ من تأويله وما لا يمكن أبداً حمله على ظاهره كقوله تعالى {نَسُوا اللهَ فنسيَهم} مع قوله تعالى {وَمَا كانَ ربُّكَ نَسِيّاً} وقوله {لا يضِلُّ ربّي ولا ينسى}، ويشتدّ أحياناً في نقدي وتدفعه حماسة الشباب إلى الهجوم الشديد عليّ.
وأنا ما لم أكن غضبانَ أحتمل أشدّ النقد، بل إنني أقرأ في الرائي (التلفزيون) رسائل تَرِد عليّ فيها سبّي وشتمي وأرى الجرائد وفيها مقالات كلها نقد لي وسبّ وشتم فلا أبالي بها. ومرّت عليّ أيامٌ كانت جرائد دمشق كلها تهجم عليّ فيها، ومنها واحدة نسبَ إليّ كاتبٌ فيها ما لو نُسب عُشره إلى غيري لَما استطاع أن ينام في الليل ولا أن يلقى الناسَ في النهار، إنه جمع من صفات الشر ما لم يكَد يجتمع في إبليس! فما حرّك شعرة من جسدي، بل كتبتُ أنصحه وأدلّه على أسلوب الهجاء وأقول له: لو أخذتَ بعض ما نَسَبْتَ إليّ لربما صدّقه الناس، لكنك جمعتها كلّها فلم تجد من يصدّقها!
جمع هذا المدرّس الشابّ كثيراً من الأقوال التي كتبتُها