في أوقات مختلفة (١)، منها ما لا أقول به الآن ولا أرتضيه. وأنا رجل مرّ بمراحل، فقد كانت نشأتي الأولى على يد مشايخ كلهم صوفي، فكان من ثمرات ذلك أن كرّهوا إليّ ابن تيميّة مثلاً وابن عبد الوهاب. ثم سافرت إلى مصر سنة ١٣٤٧هـ لأدرس فيها، وأنا ابن عشرين سنة متفتح القلب للتلقّي، فحوّل خالي محب الدين ومَن عنده من روّاد المطبعة السلفية وجهتي، وجعلوني أحب ابن تيميّة وابن عبد الوهاب بعد أن كنت أكرههما. ثم دنوت حيناً من الشيخ زاهد الكوثري عن طريق صديقنا حسام الدين القدسي، ونشرا لي أول ما أصدرت من مطبوعات وهو «رسائل الإصلاح» التي نُشرت سنة ١٣٤٨هـ وأقامت الدنيا عليّ، وردّ عليها كثير كان أشدَّهم الشيخ أحمد الصابوني الحلبي. ثم صحبتُ الشيخ بهجة البيطار فرجعت إلى ما كنت عليه مع خالي محب الدين الخطيب، وانتهيت الآن بحمد الله إلى طريق الصواب، فلا ألتزم التزاماً كاملاً إلاّ بما صحّ عن المعصوم الذي هو الرسول عليه الصلاة والسلام، وما جاء في كتاب الله الذي لا يدانيه الباطل ولا يقاربه.
(١) قال في الصفحة السابقة إن له مع هذا المدرّس قصتين، وبدأ بالأولى منهما لكنه لم يتمّها، شغله عنها الاستطراد ثم انتقل إلى الثانية في هذه الفقرة. وأذكر أنني سمعت القصة من جدّي رحمه الله، فأنا أكملها هنا مما سمعت حتى لا تبقى بغير تتمة: كان هذا المدرّس يرفض التأويل ويجادل في بعض ما كتب علي الطنطاوي في تأويل ما لا بدّ من تأويله كقوله تعالى {نَسُوا اللهَ فنسيَهم}، إلخ، وكان كفيفاً كما علمتم، فبرم به جدي يوماً فقال له: أنت تنفي التأويل مطلقاً، فماذا تصنع بقوله تعالى: {وَمَن كانَ في هذه أعْمَى فَهُوَ في الآخِرةِ أعْمَى وأضَلُّ سَبيلاً}؟ فانقطع عن مجادلته في هذه المسألة (مجاهد).