كان هذا المدرّس الشابّ يطيل مناقشتي في كتاباتي القديمة، ولا يصدّق أني مررت بها ولم أقف عليها وأني رجعت عن كثير منها، فقلت له: اكتب رسالة تردّ بها عليّ. فتعجّب وقال: ألا تغضب؟ قلت: لا. فكتب رسالة طبعها له بعض أهل الخير ووُزّعت مجاناً.
وكان من خبر هذا المدرّس الشابّ أنه تزوّج فدعا كل من في الكلية من مدرّسين وموظفين إلى وليمة ضخمة أقامها، ولم أذهب إليها كما أنني لا أذهب إلى أمثالها، فلما لقيتُه بعدها (وكنت أعرفه فقيراً) سألتُه: لماذا أقمتَ هذه الوليمة؟ فقال: إنها الوليمة الثالثة التي لا بدّ منها، واحدة لأهلي وأهل العروس، والثانية نسيت أنا لمن، وهذه الثالثة. قلت: لا تؤاخذني إن سألتك: من أين أتيت بالنفقات؟ فضحك ضحكاً كالبكاء، بل لقد كان يبكي فعلاً ويقطر الدمع من عينيه المطفأتين، قال: كان لي بيت فبعته!
فعلّقت على ذلك في الرائي (التلفزيون) أنقد هذه العادات وأدعو الناس إلى تركها وأقول لهم: إن الزواج هو عمارة بيت، فهل صيّرتم الزواج بعاداتكم خراب البيت؟
* * *
لم يكن لي في الرياض مَن أزوره إلاّ معالي الشيخ محمد عمر، وكان أخي عنده، ووكيل الوزارة وهو معالي وزير المواصلات الآن، والدكتور منير العجلاني في وزارة المعارف. والبيوت التي كنت أغشاها، وكنت أفتّش عن مبرّرات لزياراتها لأنني كنت أرغب فيها وأخاف أن أُزعِج أهلها، وربما مررت أحياناً