يشاء، بشرط واحد: هو أن لا يُخرِج صوتاً، لا مِن فيه ولا من أي ثغرة أخرى فيه! ومن كان له سؤال فليطرحه عليّ، ولكن بعد أن أكمل الجملة وأصل إلى موضع يصحّ الوقف عليه، لا أن يدخل بسؤاله بين الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر، فيقطع عليّ كلامي ويبعثر أفكاري. ومن كان له اعتراض فأنا أستمع اعتراضه، بشرط أن يكون عالِماً بما يقول وأن يكون له عليه دليل، وإن تبيّن أن الحقّ معه رجعت إلى قوله وشكرته عليه.
وقد وقع لي في أول قدومي مكة أن جاء ذِكر حكم فقهي في مسألة من المسائل في مذهب الإمام أحمد، فذكرت ما أعرفه، فقال لي طالب من الطلاب: إن الحكم في المذهب على غير هذا. فقلت له: درستَ الفقه في المدرسة المتوسطة ثم في الثانوية وأنت لم تتعلم بعد حكمَ هذه المسألة؟ وأطلتُ لساني عليه، وكان مهذَّباً فسكتَ، فلما رُحت إلى الدار رجعت إلى كتب الفقه، فإذا الذي قاله هو الصواب. أفتدرون ماذا صنعت؟ جئت من الغد فقلت للطلاب: سمعتم بالأمس ما قلته لأخيكم هذا. وقد تبيّن لي أن الحقّ معه وأنني أنا المخطئ، لذلك أعتذر إليه أمامكم، أعتذر إليه مرتين: مرة لأني خطّأته وهو المصيب، ومرة لأنني خالفت أخلاق العلماء فأطلت لساني عليه وظلمته بما أسأت به إليه.
وقد كان درساً عملياً أفاد الطلاب أكثر مما تُفيدهم الدروس النظرية التي ألقيها عليهم.