للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من هذه القراءات في كل موضوع يقع بصره عليه وتصل يده إليه، لاجتمع عنده حصيلة كبيرة. ولكني كنت أحتار: ما الذي أقدّمه منها في المحاضرة وما الذي أختاره لموضوعاتها؟ لذلك كنت أُحيل اختيار الموضوع على الحاضرين، يسألون وأجيب.

أمّا أصل المسألة فهو أنني ذهبت إلى مصر سنة ١٩٤٥، أي منذ اثنتين وأربعين سنة، بعد أن غبت عنها غيبة امتدّت سبع عشرة سنة. وكنت قد تركت الشيخ حسن البنا رحمة الله عليه وهو شابّ كسائر الشبان، وإن كان يميّزه عنهم تديُّن صادق وخُلُق عظيم يحبّبه إلى الناس جميعاً. فلما جئت هذه المرة وجدته قد صار عَلَم البلد وأظهرَ شخصية فيها: ذِكره في كل مكان واسمه على كل لسان، والإخوان صاروا أقوى الجماعات وأنشطها نشاطاً وأظهرها أثراً. فاحتفى بي في دار الإخوان بالحلمية الجديدة، وكان اجتماعٌ خطابيّ حاشد فيه غذاء للعقل وللقلب وفيه دعوة إلى الله.

وسألني عن الإخوان، فقلت إنهم قد بلغوا الغاية في اليقين والإيمان ولكن ما بلغوها في العلم والاطّلاع، وهم يحتاجون إلى مَن يعرّفهم بما لا بدّ منه من الحلال والحرام وأحكام الإسلام. قال: لماذا لا تساعدنا على ما تقترحه؟ قلت: أنا جندي في الجبهة الإسلامية، وإن كنت جندياً متطوّعاً، أُومَر فأنفّذ ابتغاء الثواب ورجاء الأجر، فكلّفني بما تريد مدةَ إقامتي هنا الآن، وأنا مقيم شهرين إن شاء الله.

فجمع لي جماعة يسمّونهم «أسرة»، وهم أفراد من أسر شتّى تجمعهم الصلة بالشيخ البنا وبجماعة الإخوان. وكانت لهم

<<  <  ج: ص:  >  >>